يموتون ببطء.. انتقادات لطريقة تعامل ألمانيا مع متعاطيي المخدرات

منذ سنوات يرتفع عدد حالات الوفاة نتيجة تعاطي المخدرات في ألمانيا. DW زارت أحد مراكز تعاطي المخدرات بصورة شرعية في هامبورغ، بمناسبة اليوم العالمي لضحايا متعاطي المخدرات، المصادف لـ 21 يوليوز من كل عام.يجول غونزو ببصره على ورق الحائط الأبيض أمامه.

الرجل نحيف لكنه يرتدي ملابس أنيقة وجميلة. يختار غونزو كلماته بعناية: « يمكن أن تملأ أسماء الأشخاص الذين لقوا حتفهم من معارفي الجدار ». يتعاطى غونزو المخدرات منذ أن كان عمره 18 عاماً. اليوم يبلغ من العمر 55 عاماً.

إعلان

يجلس الرجل في غرفة مشرفه الاجتماعي فيما يسمى بـ »مركز تعاطي المخدرات » في هامبورغ.

هنا يمكن للأشخاص الذين يتعاطون المخدرات أن يأخذوا مخدراتهم، معظمها من الهيروين والكوكايين، في جو نظيف سريرياً باستخدام حقن جديدة.

كما يمكنهم أيضاً الاستحمام، وتلقي العلاج في حال اللزوم، وتناول الطعام والشراب في المقهى المجاور، وتحديد موعد مع الأخصائيين الاجتماعيين لمساعدتهم في شؤونهم الرسمية مع السلطات الإدارية والقضائية، على سبيل المثال.

يقوم العاملان الاجتماعيان هيرمان وأولي بإعداد كل شيء للبدء. اعتباراً من منتصف النهار، يُسمح لأربعة أشخاص في نفس الوقت بتعاطي المخدرات التي أحضروها معهم. يعقم هيرمان وأولي أدوات تعاطي المخدرات ويحرصان على نظافة المكان.

إعلان

ينتظر عشرات المدمنين دورهم خارج المركز. غونزو هو من بين أوائل الواقفين على الدور اليوم. لمدة 28 عاماً، منذ افتتاح المركز، يأتي إلى هنا ويؤكد: « أعتقد أنني كنت سأكون ميتاً لولا هذا المكان. وإلا كنا سنتعاطى المخدرات في مكان ما في الفناء الخلفي، حيث كل شيء متسخ. ولا أحد يغسل أيديهم ويعقمها ».

ارتفاع وفيات المدمنين

في عام 2021، سجلت ألمانيا زيادة في عدد الوفيات بسبب المخدرات غير المشروعة للعام الرابع على التوالي: 1826 رجلاً وامرأة.

في معظم الحالات، كان سبب الوفاة هو الهيروين أو المواد الأفيونية الأخرى.

وعلق مفوض الحكومة الفيدرالية لشؤون الإدمان والمخدرات، بوركهارد بلينيرت، على هذا التطور قائلاً: « هذه الأرقام تحزنني. إنها صادمة وتظهر أنه من غير الممكن الاستمرار على هذا النحو في سياسة التعامل مع تعاطي المخدرات في ألمانيا ».

إنها مشكلة تتجاوز حدود ألمانيا. منذ سنوات، تستعر أزمة تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة متجاوزة كل الحدود. كل خمس دقائق تقضي جرعة زائدة على حياة إنسان. لكن الأرقام لا تتراجع في ألمانيا، بل على العكس من ذلك.

في « مركز تعاطي المخدرات » في هامبورغ، كان الوضع سيئاً بشكل خاص في أشهر الربيع الأولى في مارس وأبريل. ووضع المركز لكل متعاطي متوفى كتاب تعازي.

الاستعداد لليوم العالمي لإحياء ذكرى متعاطي المخدرات المتوفين يأخذ حيزاً من وقت الأخصائيين الاجتماعين. ويحتفل باليوم في 21 يوليوز من كل عام، حيث تلقى كلمات المواساة وتسجل كلمات الحزن والمواساة في كتاب التعازي، وتجري مراسم أخرى للتذكير بالراحلين.

على أهبة الاستعداد للطوارئ

حتى الآن، لم يمت أي شخص في « مركز تعاطي المخدرات » في هامبورغ؛ إذ تمت معالجة جميع حالات الطوارئ من خلال استخدام الإجراءات الروتينية والمعدات مثل أجهزة قياس معدل ضربات القلب وأجهزة التنفس الصناعي.

يقول هيرمان: « لقد أتعبتني حالات الطوارئ الأولى التي عالجتها، ولكن مع مرور الوقت واكتساب الخبرة يتعلم المرء كيف يتعامل معها وإيجاد الحلول لها ».

ومع ذلك، فإن الوفيات التي لا يمكنهم منعها خارج المركز، تؤثر في نفسية ومشاعر أولي وهيرمان، لكن هيرمان يعود ويعقب: « مع مرور الوقت يصبح الأشخاص الذين نتعامل معهم أرقام وملفات. في الغالب يعلم الأخصائيون الاجتماعيون فقط عن وفاة المدمنين، ولكن ليس الكثير عن ظروف الوفاة ومكان الدفن ».

ماذا عن التبغ والكحول؟

عندما يتعلق الأمر بالوفيات المرتبطة بالمخدرات، غالباً ما يكون الاتهام هو أن سياسة المخدرات الصارمة تؤدي إلى المزيد من الوفيات. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، كما أظهرت دراسة حديثة أجرتها هيئة الإذاعة والتلفزيون في ولاية بافاريا Bayrischer Rundfunk. وأكد العديد من الخبراء أن وجهة النظر بأن قوانين المخدرات الصارمة تؤدي إلى عدد أكبر من الوفيات غير صحيحة. ومع ذلك، يمكن للقوانين الأكثر ليبرالية أن تمنع الوفيات بشكل غير مباشر.

باحث الإدمان هينو ستوفر، المدير الإداري لمعهد أبحاث الإدمان في فرانكفورت، يقوم بالتدريس والبحث في مواضيع الوقاية من الإدمان ومساعدة المدمنين منذ عقود. إنه مؤيد لسياسة لا تجرم استهلاك المخدرات والاستخدام الشخصي لها.

« من ناحية، لدينا سياسة متساهلة ومتسامحة وليبرالية للغاية تجاه الكحول والتبغ، أقول إنها غير منظمة للغاية. ومن ناحية أخرى، نحن قمعيون للغاية تجاه المخدرات غير المشروعة »، يقول ستوفر لـ DW. « بينما تتم مقاضاة متعاطي المخدرات ومحاكمتهم بسبب كميات صغيرة من الحشيش، لا توجد استراتيجية ضد التبغ والكحول »، يقول ستوفر. ويضيف: « كل عام لدينا 127000 حالة وفاة ناتجة عن التبغ، وحوالي 74000 حالة وفاة أخرى مرتبطة بتعاطي الكحول ».

نهج جديد؟

ومع ذلك، يبدو أن هناك تغييراً وشيكاً في ألمانيا في اتجاه تقنين القنب.

في ظل الحكومة الجديدة، يبدو أن ألمانيا تنفتح على سياسة جديدة تبتعد عن التجريم البحت لتعاطي المخدرات.

بيد أن السياسيين المحافظين من الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه البافاري، المسيحي الاجتماعي، ينظرون إلى هذ السياسة بعين النقد، مؤكدين على أن تقنين القنب قد يؤدي لاحقاً إلى إضفاء الشرعية على المخدرات الأكثر قوة.

يرحب العاملون الاجتماعيون في « مركز تعاطي المخدرات » في هامبورغ بالتغير في سياسة التعامل مع المخدرات.

يقول أولي « أنا متفائل »، على الرغم من أنه ينتقد أن مرافق مثل « مركز تعاطي المخدرات » في الغالب تعاني من شح التمويل وأنه لا يزال يرى الكثير من الإمكانات للتحسين.

يدرك غونزو أن أسلوب حياته قد يؤدي إلى وفاة مبكرة: « أعلم أنني ربما لن أعيش حتى التسعين من العمر ». في أبريل وجد رفيقاً له ميتاً في السرير. حتى يومنا هذا لا يعرف السبب الدقيق للوفاة، ولا مكان دفنه.


زر الذهاب إلى الأعلى