ما سبب زيادة تدخين الحشيش والحديث عنه علنا في الشرق الأوسط؟

تدخين الحشيش على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركة نكات حول تعاطيه، تقود إلى المزيد من الانفتاح على تعاطي بعض المخدرات مثل الحشيش، في منطقة الشرق الأوسط التي يستهجن مجتمعها مثل هذه الأمور. لكن ما سبب هذا التغير؟

في مقطع فيديو شهير جدا على موقع فيسبوك، يظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو يتلقى التحية والإشادة من أحد القادة العسكريين في قاعة مليئة بالجنود. في هذا المقطع الساخر، يتحدث الرئيس المصري ببطء ثم يبدأ في الضحك واللهاث في مشهد مليء بالضحكات فيما كُتب على المقطع الذي نشر عام 2017 « السيسي محشش ».

إعلان

هذا المقطع الساخر ليس سوى واحد من آلاف المقاطع المصورة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي التي تندرج تحت اسم « نكات محششين أو نكات تحشيش » حسب اللهجة والبلد العربي.

بث مباشر لتعاطي المخدرات

وهذه الظاهرة ليست سوى مثال واحد على تغير الموقف غير الرسمي تجاه تعاطي الحشيش الذي أصبح شائعا بشكل متزايد في بعض أجزاء الشرق الأوسط. وقد شهدت الآونة الأخيرة قيام رواد منصات التواصل الاجتماعي في دول خليجية بتصوير أنفسهم وهم يتعاطعون الحشيش ليتم إلقاء القبض على بعضهم.

والصيف الماضي، طردت السلطات الإماراتية عارض الأزياء عمر بركان الجلاء الذي يعد أحد المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي والذي يقيم في دبي، بزعم تعاطيه الحشيش خلال بث مباشر على حسابه على موقع انستغرام حيث يتابعه قرابة 1,3 مليون شخص. وقالت شرطة دبي إن هناك علاقة قوية بين المشاهير والمؤثرين الذين يروجون لتعاطي المخدرات ومحاولة المراهقين تقليدهم.

إعلان

أما في قطر، فقد أوقفت الشرطة عام 2021 ، 75 حسابا على منصات التواصل الاجتماعي وموقعا إلكترونيا لبيع المخدرات أو الترويج لها رغم أن الرقم لم يتجاوز عام 2019 أكثر من 15 حسابا.

وفي السعودية،ـ قالت الشرطة إن الاشخاص الذين ينشرون نكات أو مقاطع مصورة عن تعاطي الحشيش مسؤولون عن تفكك المجتمع السعودي.

سوابق في العالم العربي

ورغم القوانين التي تجرم تعاطي المخدرات بكل أشكاله في العالم العربي، إلا أن هذه الظاهرة منتشرة في منطقة الشرق الأوسط. وفي ذلك، يقول مازيار غيابي، المحاضر بجامعة إكسترا بالمملكة المتحدة في مجال العلوم الإنسانية الطبية، من الصحيح القول بأن الناس انتقدوا « حالة الثمل أو السكر على مر التاريح تحت أي شكل كان، لكن هذا لا يعني أنها لم تكن موجودة ».

يشار إلى أنه حتى وقت قريب، لم تشهد منطقة الشرق الأوسط انتشارا صريحا لتعاطي المخدرات الترفيهية خاصة في البلدان والمجتمعات المحافظة.

من جانبه، يقول الشاب السوري محمود، الذي يعيش في ألمانيا ورفض الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية، إن هناك تغييرا في مواقف الشباب حيال « الحشيش ». ويضيف بأنه عندما كان في سوريا كان يدخن مع أصدقائه الحشيش أو يتعاطون حبوب الأمفيتامين المنتشرة في سوريا والمنطقة ومعروفة بـ « الكبتاغون » وتعرف بكونها « كوكايين الفقراء »، من أجل المتعة والتسلية.

بيد أن محمود أكد أن هذا الأمر كان يحدث في نطاق محدود وأن عددا قليلا من أصدقائه يعرفون بتعاطيه للمخدرات الترفيهية. ورغم ذلك، يرى أن الأمر قد تغير في المنطقة، إذ إن الشباب الآن في الشرق الأوسط، لاسيما الذين يعيشون في المدن الكبرى أصبحوا أكثر انفتاحا على مثل هذه الأمور. وعند سؤاله منذ متى بدأ يلاحظ هذا التغيير، أجاب وقد علت على وجه ابتسامة « منذ الإنترنت ».

التأثير الدولي

وكانت دراسة حديثة تحت عنوان « المخدرات خلف حجاب الإسلام: نظرة للشباب السعودي » نشرت في أكتوبر العام الماضي في مجلة « الجريمة والقانون والتغيير الاجتماعي » العلمية قد دقت ناقوس الخطر إزاء هذه الظاهرة.

وقد أجرى الباحثون مقابلات مطولة مع 18 طالبا سعوديا يدرسون في الجامعات، وخلصت نتائج الدراسة إلى أن الشباب السعودي أصبح أكثر انفتاحا على تعاطي المخدرات الترفيهية لاسيما القنب خاصة عبر الإنترنت.

ونقلت الدراسة عن أحد الشباب السعوديين قوله إن « صفحة حكمة محشش تنشر الكثير من مقاطع الفيديو والقصص المضحكة والساخرة عن الأشخاص الذين يدخنون الحشيش ». وكان الشاب يشير في حديثه إلى صفحة شهيرة على موقع فيسبوك تقوم بنشر نكات عن المخدرات الترفيهية فيما يتابعها أكثر من مليون شخص. وأضاف بأنها « صفحة في غاية السخرية ومضحكة لدرجة أن البعض أصبح لا يعتقد أن تدخين الحشيش حرام ».

بيد أن الدراسة توصلت أيضا إلى أسباب أخرى وراء تعاطي المخدرات غير المشروعة في السعودية بما في ذلك التواصل والتفاعل مع الأجانب والثقافات الأخرى وقضية التزام البعض أو عدم التزامهم بالدين، فضلا عن تخفيف القواعد الخاصة بالاختلاط في المجتمع السعودي.

أرقام لا يعرفها كثيرون

وفي ذلك، يقول إيلي الأعرج، المدير التنفيذي لجمعية شبكة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا لخفض مخاطر المخدرات ومقرها بيروت، إنه مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتزايد استخدامها والانفتاح عليها « أصبح كل شيء متاحا الآن ». ويضيف في مقابلة مع دوتش فيليه، أن « جيل الشباب بات يعرف المزيد عن المخدرات وحتى كيفية استخدامها ».

بيد أنه من الصعب بل من المستحيل معرفة كيف ساهمت ثورة الإنترنت في زيادة تعاطي المخدرات على أرض الواقع، إذ يرجع ذلك إلى ندرة الإحصاءات الموثوقة حيال هذه القضية في الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد، يقوم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بإصدار تقرير سنوي عن تعاطي المخدرات في جميع أنحاء العالم.

وفي مقابلة مع دوتش فيليه، قال المتحدث باسم المكتب إن « البيانات الواردة من منطقة الشرق الأوسط نادرة، لذا لا يمكن التطرق إلى أي شي يدل على تزايد تعاطي المخدرات في المنطقة ».

وقد أكدت جمعية شبكة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا لخفض مخاطر المخدرات على هذه الإشكالية في تقريرها السنوي العام الماضي للمنطقة، إذ أشارت إلى أن « أزمات عديدة في المنطقة تجعل من الصعب الحصول على أرقام دقيقة حول تعاطي المخدرات ».

وقالت الجمعية إنه رغم تباين أنواع المخدرات بين دولة وأخرى في الشرق الأوسط، إلا أن الحشيش يبدو الأكثر شيوعا حيث أشارت إلى أن تزايد الانفتاح حيال استخدامه قد يحمل في طياته بعض الأمور الإيجابية.

وفي تعليقه على الأمر، يقول الستاذ الجامعي مازيار غيابي، إن اتباع نهج أكثر واقعية حيال تعاطي المخدرات قد يؤدي إلى « سياسة عامة تتسم بالعقلانية والترابط، بما يقلل من مخاطر تعاطي المخدرات ».

من جانبه، قال الأعرج إننا في حاجة إلى أساليب جديدة غير فرض « قواعد قمعية حيال تعاطي المخدرات، لأنها لا تكفي للتعامل مع هذه القضية ».

كاثرين شاير

زر الذهاب إلى الأعلى